غزة ... ام ....... قطاع غزة

ربما يخلط البعض ممن يتابع أحداث غزة الملتهبة، بين "قطاع غزة" و"غزة"، ويتصورون أن الاثنين يعبّران عن كيان واحد، وإن كان هذا صحيحا من الناحية المعنوية، إلا أنه ليس كذلك بالضبط، جغرافيا وسياسيا وسكانيا.

فـ"غزة" كمدينة تقع تقريبا في شمال قطاع غزة، وهو ما يعني أن الأولى هي جزء من الثاني وليس الاثنان كيانا واحدا يحمل الاسم ذاته، فقط تم إطلاق اسم "قطاع غزة" على تلك المساحة؛ نسبة لمدينة غزة أكبر مدن القطاع، الذي يضم مدنا أخرى أشهرها "رفح" -المشتركة في الحدود مع مصر- وبيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وخان يونس ودير البلح، كما تتضح أماكنهم على خريطة غزة المرفقة، وعادة ما يطلق عليه اسم "بلدة" بدلا من "مدينة" لصغر مساحتها، كما يضم القطاع عددا من المخيمات التي يسكن فيها عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المبعدين قسرا عن أراضيهم التي احتلتها إسرائيل.

وقصة قطاع غزة تعود لسنوات بعيدة، إذ كان يدخل تحت الانتداب البريطاني حتى عام 1948، ومع انتهاء الانتداب في 14 مايو 1948 تنفيذا لوعد "بلفور" الذي سمح لليهود بإنشاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، دخل قطاع غزة تحت السيطرة العسكرية المصرية، وذلك حتى عام 1956، هو ذات العام الذي شنت فيه إسرائيل هجوما -بالتوازي مع فرنسا وإنجلترا- على مصر فيما عُرف بالعدوان الثلاثي، وحينها نجحت إسرائيل في احتلال القطاع لأول مرة وسيطرت عليه لعدة شهور قبل أن تنسحب منه بعد ذلك تنفيذا للضغوط الأمريكية والدولية؛ ليعود القطاع من جديد تحت السيطرة المصرية "المدنية".

وظلت الأمور على حالها حتى وقعت نكسة 1967 عندما تحركت إسرائيل بقواتها في أكثر من اتجاه؛ لتقتطع غزة وسيناء من جهة مصر وهضبة الجولان من الجهة السورية بالإضافة إلى الضفة الغربية، لتبدأ رحلة كفاح أهالي غزة للبحث عن الحرية منذ ذلك التاريخ.

غزة كانت هي موطن الانتفاضة الأولى عام 1987 التي تحرك فيها الشعب الفلسطيني مهاجما قوات الاحتلال بكل ما يملك حتى لو كان مجموعة من الأحجار، ورغم أن إسرائيل أقامت في غزة 25 مستعمرة استقر فيها ما يزيد على 7500 مستعمِر إسرائيلي إلا أن القطاع شكّل "صداعا" في رأس إسرائيل بعد أن استعصى أهله على الترويض أو الإجبار على تضييع هويته العربية ذات الخصوصية، لذا كان القطاع أول المناطق الفلسطينية -مع الضفة الغربية- التي تم الاتفاق على الانسحاب الإسرائيلي منها تنفيذا لاتفاقية أوسلو 1993، وتدريجيا بدأت السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على القطاع دون أن يكون هناك انسحاب كامل من جهة إسرائيل، حتى جاءت هذه الخطوة على يد واحد من أشرس قيادات إسرائيل عبر تاريخها "أرئيل شارون" والذي طرح في فبراير 2004 خطة للانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد من القطاع بشكل كامل على أن يتم إخلاء المستوطنات من ساكنيها خلال عام، وذلك بعد أن خرجت من القطاع العديد من العمليات الفدائية التي غيَّرت كثيرا في معادلة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

وبالفعل في فبراير 2005 انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل من غزة، إلا أنها لم تفك ارتباطها بالكامل معه؛ لأن الانسحاب ظل من جانب واحد من دون توقيع اتفاقيات نهائية، وعليه فقد ظلت إسرائيل تمسك بما يمكن وصفه بـ"عنق" القطاع، عبر تزويده باحتياجاته من الكهرباء والغاز والمياه، بالإضافة إلى تحكّمها في جزء كبير من حركة الاستيراد والتصدير التي تتم عبر المعابر الستة التي تسيطر عليها إسرائيل.

وتجلت أزمة القطاع بعد الفوز الكبير لحركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 وتشكيلها للحكومة، الأمر الذي لم يرُقْ كثيرا لإسرائيل والولايات المتحدة وعدد آخر من دول المنطقة؛ لأن صعود حماس شكَّل أول صعود ديمقراطي لحركة إسلامية إلى السلطة في قلب الشرق الأوسط، وارتكبت حماس أيضا عددا من الأخطاء الأمر الذي سهل وعجَّل بالصدام بينها وبين حركة فتح، فانقلبت الأوضاع سريعا، وبعدها أصدر الرئيس "أبو مازن" قرارا بإقالة حكومة "حماس" بقيادة "إسماعيل هنية" في يونيو 2007 رفضت حماس تنفيذ ذلك القرار استنادا لوصوله إلى السلطة عبر انتخابات نزيهة، ثم فرضت الحركة سيطرتها على قطاع غزة بالكامل وأصبح هناك حكومتان فلسطينيتان إحداهما تتولى تسيير أمور قطاع غزة "حماس" والأخرى تعمل على تسيير شئون الضفة الغربية، قبل أن تفرض إسرائيل حصارا قاسيا على قطاع غزة بعد تلك التطوارت مباشرة؛ لتتأزم الأوضاع الصحية والاجتماعية والتجارية في ذلك الشريط المطل على البحر المتوسط ، ولا تزيد مساحته على 360 كيلو متر مربع "1.33% من مساحة فلسطين التاريخية تقريبا، ويسكنه ما يزيد على مليون ونصف المليون فلسطيني، هو ذلك القطاع الذي أصبح -مؤخرا ومن جديد- مسرحا لعروض إسرائيل الدموية التي تمارسها منذ أن ظهرت للوجود.

» غارات للاحتلال جنوب قطاع غزة