حقوق الإنسان في الفكر الغربي
تظفر قضية حقوق الإنسان ، بأهمية كبرى في العصر الحديث ، على مستوى الشعوب والدول والمنظمات الدولية .
ويعد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في10 / 12 / 1948 م ، تتويجا لحضارة الغرب ، ولجهود المفكرين والمصلحين فيه في العصر الحديث .
وقد صدر الميثاق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة ، تعبيرا عن الرغبة في وحدة البشرية ، ووحدة حقوق الإنسان ، في المجتمع الدولي ، الذي قاسى من ويلات الحرب .
وكان تناسي حقوق الإنسان ، أو إهمالها ، قد أفضى إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني ، كما ورد في الميثاق .
ولذلك ، دعا في مقدمته إلى توطيد احترام الإنسان وحرياته ، والعمل عن طريق التربية والتعليم ، واتخاذ إجراءات قومية وعالمية ؛ لضمان الاعتراف بحقوق الإنسان ، ومراعاتها بصورة فعالة ، بين الدول الأعضاء في المنظمة العالمية ، وكذلك بين الشعوب الخاضعة لسلطانها .
لقد توج الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، جهودا كثيرة لمفكرين وفلاسفة من الغرب .
وترجع هذه الجهود إلى القرن الثالث عشر الميلادي ، حينما صدرت الماجنا كارتا سنة 1215م في إنجلترا ، التي اكتسب الشعب الإنجليزي بمقتضاها ، حقه في تجنب المظالم المالية ، التي كانت توقعها به السلطة وقتذاك .
وقد تضمنت وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776م ما يعد من حقوق الإنسان ، بتأكيدها على الحق في الحياة والحرية والمساواة .
وأصدرت الثورة الفرنسية وثيقة إعلان حقوق الإنسان في 26 / 8 / 1789م ، وهي تعد إعلانا عن هذه الحقوق . وهكذا سبقت هذه المواثيق ، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، الذي يعد خطوة هامة وحاسمة ، بعد جهود المفكرين والفلاسفة الأوروبيين لعدة قرون ، والتي استهدفت حماية الشعوب من المعاناة والآلام ، التي كانت ترزأ تحتها من السلطات الإدارية والدينية في أوروبا ، خلال عصور الظلام ، وبدايات عصر النهضة الأوروبية .
تلك المعاناة التي ترجع إلى استبداد الحكم الإقطاعي ورجال الكنيسة ، واندفاع الكنيسة إلى محاربة كل الاتجاهات الفكرية ، التي تسعى إلى تحرير عقل الإنسان ونفسه .
وهذه العوامل كلها ، لم يكن لها وجود في الإسلام ، عقيدة وشريعة ، أو حضارة .
وثمة مسألة ، ينبغي ذكرها ، وهى أن فكرة حقوق الإنسان هذه ، التي نشأت في داخل القارة الأوروبية ، استخدمت في تحرير الإنسان الأوروبي من طغيان السلطة ورجال الكنيسة ، ولم تمتد هذه الفكرة ، لتشمل بالحماية شعوبا بأكملها ، خضعت للاستعمار الأوروبي في العصر الحديث ، بل لاقت منه من المظالم والاستبداد ، كل ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان .
إن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، والذي يربط البعض بينه وبين ميثاق الأمم المتحدة ، قد ركز النظر على حقوق الإنسان على المستوى الدولي .
ولم تصبح هذه القضية في كل دولة ، خاضعة لاعتبارات السيادة الوطنية ، بل امتزج الاعتراف بهذه الحقوق وممارساتها بطابع دولي ، ولم تعد علاقة الدولة بالفرد خارجة عن إطار القانون الدولي ، ولا تهم سوى القانون الداخلي .
بل أصبح لها ، طابعها الدولي المميز ، والذي جعل موضوع حقوق الإنسان يخرج من إطار النسبية الزمانية والمكانية ، التي كانت تستغل من جانب النظم الاستبدادية ، كالنازية والفاشية والنظم الماركسية ، في إهدار كرامة الأفراد ، كما استغلت من جانب الدول الاستعمارية ، في التعامل غير الإنساني ، وغير العادل ، مع الشعوب التي كانت خاضعة لسلطانها في العصر الحديثغير أن لذلك الأمر ، وهو الطابع الدولي لحقوق الإنسان ، محاذيره .
فقد أصبح موضوع حقوق الإنسان ، موضوعا متشابكا ومعقدا ، يختلط فيه الفكر بالمواقف ، وأصبح هذا الموضوع ، يشغل العالم في الوقت الحاضر ، وربما لعقود قادمة .
لقد أصبحت قضية حقوق الإنسان الآن ، أحد أسلحة السياسة الخارجية للدول الكبرى ، يبدو ذلك في استخدام قضية حقوق الإنسان ، معيارا في تقديم المساعدات الدولية للدول النامية ، فتحجب هذه المساعدات عن الدول التي تخالف ، أو تتهم بمخالفة حقوق الإنسان ، في نظر الدول القوية .
كما ظهرت فكرة إنشاء وظيفة "مفوض سامي" في الأمم المتحدة ؛ لمراعاة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان .
ولا يخفى ما يترتب على تنفيذ ذلك ، من مشكلات في الواقع المعقد لنظام عالمي جديد ، أعلن عن وجوده منذ سنوات ، ولم تتبلور حتى الآن اتجاهاته وقيمه الأساسية وموازينه ، مما يفتح الباب لصور من التدخل غير المسوغ في الشؤون الداخلية للدول ، تحت شعار حقوق الإنسان .
إلى هنا نكتفى....على وعد باكمال هذا الموضوع الشائك الشيق
فى لقاء قادم إن شاء الله
نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله